السديس: استمرار جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القران دليل نجاحها وفعاليتها 
التاريخ : 8/9/2022 الموافق : 1444/2/12

حوار معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس

*جمعية الأطفال ذوي الإعاقة خرجت عن عباءة الاتكاء على الدعم الحكومي والتبرعات الفردية بإطلاقها مشروع مبنى جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم

* الجائزة قائمة على حسن التنظيم والاهتمام الرفيع والتعامل الرشيق

* ما لفت نظري في المشاركين شدة التنافس بينهم وتجاوزهم مرحلة الإعاقة إلى مرحلة التحدي والاعتزاز

* جمعية الأطفال ذوي الإعاقة تقوم بدور جبار ومشاهد للعيان وملموس في الواقع

* أهالي الأطفال من ذوي الإعاقة عليهم مسؤولية كبيرة في التربية وغرس الثقة في نفوس أبنائهم

* أبناؤنا من ذوي الاحتياجات الخاصة أصحاب ملكات ومواهب، وبحاجة إلى مربٍ متخصص لصقل مواهبهم

حوار – بندر الماضي

 

     وجه معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس الشكر للدولة على ما بذلته من جهود لخدمة القرآن الكريم، وكذلك خدمة ورعاية ذوي الهمم والقدرات الخاصة في كل المجالات، كما أوضح أن استمرار جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم هو دليل على نجاحها وفعاليتها، وأن إقامة مثل هذه المنافسات هو توثيق العرى بالقرآن الكريم وإذكاء لقدرات ذوي الإعاقة وصقل لمواهبهم وإيقاد لشعلة الحياة فيهم، وهذا ما لمسه ولاحظه في المشاركين خلال الدورات السابقة متمثلًا بشدة التنافس بينهم وتجاوزهم مرحلة الإعاقة إلى مرحلة التحدي في إثبات المهارة والاعتزاز بالتباري في كتاب االله عز وجل، كما أشاد بافتتاح مبنى جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم وأن مثل هذه المبادرات أخرجت الجمعية من عباءة الاتكاء على الدعم الحكومي والتبرعات الفردية إلى مرحلة استدامة الأعمال والارتقاء بها، كما أوضح السديس الدور الكبير الذي تقوم به رئاسة شؤون الحرمين لرعاية حفظة كتاب الله من خلال إنشاء إدارة خاصة تُعنى بحفظ القرآن الكريم وتحفيظه في الحرمين الشريفين وإنشاء مقرأة الحرمين الشريفين الإلكترونية، وكذلك الخدمات التي تقدمها لذوي الاحتياجات الخاصة والمبادرات التي أطلقتها بهذا الشأن، وغير ذلك من المحاور التي تناولها هذا الحوار.

 

-بدايةً نود أن نسأل معاليكم عن مشاعركم وانطباعاتكم تجاه جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال ذوي الإعاقة؟

-الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال ذوي الإعاقة؛ استهدفت فئة عزيزة على قلوبنا من ذوي الهمم، ولا شك أن إقامة مثل هذه الجائزة وتشجيع أبنائنا من ذوي القدرات الخاصة على التنافس في مضمار حفظ كتاب الله -عز وجل- وفهمه لهو توثيق العرى بهذا الكتاب الذي فيه شفاء وهدى ورحمة، وإذكاء لقدراتهم، وصقل لمواهبهم، وإيقاد لشعلة الحياة فيهم، وسلِّ روح اليأس منهم، واستمرار هذه الجائزة من عام 1417هـ إلى يومنا هذا لهو دليل نجاحها وفاعليتها.

-سبق لمعاليكم رعاية وحضور الحفل الختامي للعديد من الدورات السابقة للجائزة، هل لكم أن تحدثونا عن مشاهداتكم وما لفت نظركم في الجائزة والمشاركين؟

-الجائزة قائمة -بحمد الله- على حسن التنظيم والاهتمام الرفيع والتعامل الرشيق، وإحساس هذه الفئة بأنهم ليسوا مُنبتّين عن المجتمع، بل هم من ركائزه ومقوماته. وأما على مستوى المشاركين فما لفت نظري هو شدة التنافس بينهم، وتجاوزهم مرحلة الإعاقة إلى مرحلة التحدي في إثبات المهارة، والاعتزاز بالتباري في كتاب الله -عز وجل، ولسان حالهم يقول: لا إعاقة مع الإرادة، وستراني في السباق أعبر بقوة.

-يجري الحفل الختامي للدورة الحالية من الجائزة في ظل حدث استثنائي، وهو افتتاح مبنى جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم، ما هو رأيكم في توجه الجمعية لإنشاء مشاريع استثمارية خيرية لدعم خدماتها المجانية للأطفال ذوي الإعاقة؟

-تُشكر الجمعية على هذه المبادرة الاستثمارية القيمة، والتي خرجت عن عباءة الاتكاء على الدعم الحكومي والتبرعات الفردية إلى فكرةٍ أوسع؛ لاستدامة أعمالها وارتقائها، ولا سيما وأن المشاريع الاستثمارية في تغذية الجمعية لبرامجها وتنوعها ومجانية خدماتها موائمة لرؤية المملكة 2030، ومثل هذه المشاريع حَرِية بالتنوع والتوسع والدعم. 

-تحرص الدولة على الاهتمام بكافة قطاعات المجتمع وتقديم الخدمات اللازمة لها ومن بينها قطاع ذوي الإعاقة، كيف ترون هذا الاهتمام وما دلالاته من وجهة نظركم؟

-الدولة -حرسها الله- بذلت كل صعب باهظ؛ لتكفل لرعاياها الحياة الكريمة، وخصت ذوي الهمم والقدرات الخاصة بمزيد عناية واهتمام في كل المجالات، ولا أدلَّ لذلك مما شملته رؤية المملكة 2030 من خطط وبرامج؛ لتمكين ذوي الإعاقة من التعليم والصحة وتوفير البُنية التحتية الخاصة، والحصول على فرص عمل مناسبة تضمن فاعليتهم واندماجهم على سبيل الاستقلال في المجتمع، ووفرت الدعم والتسهيلات التي تساعدهم على تحقيق النجاح تلو النجاح.

-تقوم رئاسة شؤون الحرمين بدور رائد لرعاية حفظة كتاب الله، هل يمكن اطلاعنا على هذا الدور؟

-الحرمان الشريفان تنزَّل القرآن بين جنباتهما، وصُدح بآيات الله في أروقتهما، وانطلاقًا من هذا، قامت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بدور ريادي في خدمة القرآن الكريم وتحفيظه، فأنشأت إدارة خاصة تُعنى بالقرآن الكريم وتحفيظه في الحرمين الشريفين، كما أنشأت مقرأة الحرمين الشريفين الإلكترونية، والتي وصل عدد المشتركين فيها بفضل الله -عز وجل- إلى (124000) مشترك من شتى دول العالم، وقد أفاد منها ذوو الهمم والقدرات الخاصة، علاوةً على هذه المقرأة، فتزدان جنبات المسجد الحرام والمسجد النبوي بالحلقات القرآنية على مدار العام، يُفيد منها الزائر والمعتمر والحاج، وقد أقامت الرئاسة مؤخرًا برنامجًا صيفيًا في حفظ القرآن الكريم على مدار أربع وعشرين ساعة، بمسارات متعددة، مراعيةً جميع الفئات العمرية، والقدرات التعليمية، وأما بخصوص المصاحف فقد وفرت الرئاسة مصاحف "برايل"؛ ليستفيد منها التالي والملتحق بالحلقات القرآنية في الحرمين الشريفين من ذوي الاحتياجات الخاصة. -ما هو رأيكم في الدور الذي تقوم به جمعية الأطفال ذوي الإعاقة في تقديم الخدمات لذوي الإعاقة وأهاليهم وتوعية الناس بقضية الإعاقة؟

-تقوم الجمعية بدور جبَّار ومشاهد للعيان وملموس في الواقع من توفير الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، من تعليمية وطبِّية وتأهيلية، وتثقيفية للأسرة في التعايش مع حالاتهم الخاصة وطرق التعامل معهم، كما تحمل مسؤولية بيان حقوق المعاقين وتوعية المجتمع بمسببات الإعاقة وطرق الوقاية منها، والحد من انتشارها، وأذكِّر القائمين على هذه الأعمال الإنسانية والمجتمعية بقول الله - عز وجل-: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195]، وما تنفقوا من جهد ومال فهو مخلوف وعائد عليكم بالبركة والأجر الموفور إن شاء الله.

-تحرص المملكة وولاة أمرها -حفظهم الله- على خدمة القرآن الكريم والاعتناء بشأن تحفيظه خاصةً للناشئة، هل لكم أن تحدثونا عن جهود المملكة في هذا الشأن؟

-القرآن الكريم نظام حكم ومنهج حياة في بلادنا المباركة -ولله الحمد-، وقد أولت المملكة عناية خاصة بالقرآن الكريم وتحفيظه، فقد أنشأت للناشئة مدارس خاصة تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم كاملًا، وصرفت لهم المكافآت التشجيعية، كما تُعنى المدارس العامة والجامعات بتحفيظ أجزاء من القرآن الكريم، إضافة إلى هذا؛ تزخر مدن مملكتنا الحبيبة بجمعيات تحفيظ القرآن الكريم والتي تنتشر حلقاتها في الجوامع والمساجد، وقد أقامت الدولة -أيدها الله- أيضًا المسابقات القرآنية الدولية والمحلية؛ كمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، وجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز المحلية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره للبنين والبنات؛ لبث روح التنافس بين الناشئة وزيادة تعلّقهم بكتاب ربهم حفظًا وسلوكًا ومنهجًا، كما امتدت خدمتها لكتاب الله -عز وجل- إلى العالم أجمع من خلال مجمع الملك فهد بن عبدالعزيز لطباعة المصحف الشريف، والذي يُعد الفريد من نوعه، ووصلت مصاحفه المطبوعة بالروايات المختلفة إلى مختلف أنحاء العالم، وقد راعى المجمع حالات ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فطبع لهم مصاحف خاصة بهم، وهذا الجهد إنما هو غيض من فيض من جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القرآن الكريم.

 -يقع على عاتق أهالي الطلبة من ذوي الإعاقة مسؤولية كبيرة في الاعتناء بذوي الإعاقة ورعايتهم، هل من كلمة توجهونها لهم حول دورهم وواجبهم الديني تجاه أبنائهم من ذوي الإعاقة؟

-إن واجب الآباء والأمهات عظيم تجاه أبنائهم، فهم مؤتمنون على تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية صحيحة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:6]، وقال نبينا ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْؤولة، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ» [أخرجه البخاري]. وتعظم هذه المسؤولية وتكبر إن كان الابن أو الابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فيحتاج من الوالدين خاصةً والأهل عامةً مزيد متابعة وحرص، ومجاهدة وعناية في التربية، مع الصبر عليهم وتحمل المشاق، وملاطفتهم وعدم جرح مشاعرهم، وغرس الثقة في نفوسهم، والأجر على قدر المشقة.

-أثبت أبناؤنا من ذوي الإعاقة أهليتهم وإمكاناتهم الكبيرة في مجال حفظ القرآن الكريم، واستطاع عدد كبير منهم حفظ كتاب الله كاملًا أو حفظ أجزاء كبيرة منه، ما هي كلمتكم لهؤلاء الأبناء من ذوي الإعاقة والدور المطلوب منهم؟

-أبناؤنا من ذوي الاحتياجات الخاصة أصحاب ملكات ومواهب، لكنهم بحاجة إلى مربٍّ متخصص حاذق صبور عليهم؛ ليصقل مواهبهم ويستخرجها منهم، وإن الحافظ للقرآن الكريم أو بعضه منهم لشاهد مبين على ذلك، في وقت استغلق حفظه على كثير من أندادهم ممن ليس به أي إعاقة. ونصيحتي لهؤلاء الفتية أن يلتجؤوا إلى ربهم بطلب الإعانة والتوفيق في كل أمورهم، وأن لا يثبِّط من عزيمتهم شيء، ويزدادوا من المعارف والعلوم، وأن يكونوا مُلهمين لغيرهم، فكم من ذوي القدرات الخاصة فاق وبزّ.

-لذوي الإعاقة في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي خدمات خاصة وعناية ملموسة، حبذا لو سلط معاليكم الضوء عليها إجمالًا؟

أولًا: نحن في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ننطلق فيما نقدم من خِدمات من توجيهات ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وبذلهما السخي غير المحدود، فهما يحرصان كل الحرص على أن تكون الخِدمات في الحرمين الشريفين على أقصى معايير الجودة والشمول؛ لينعم كل زائر ومعتمر وحاجٍّ بالروحانية والطمأنينة، ويؤدي نسكه في يسر وسهولة.

ثانيًا: حظيت المهام الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة بالأولوية في حزمة الخِدمات التي تقدمها الرئاسة، سواءً داخل الحرمين الشريفين أو في مرافقهما الخارجية، مع استمرارية تنظيمها وتطويرها للوصول لأعلى معايير الجودة والأنسنة، والمتوافقة مع رؤية المملكة 2030، ومن تلك الخدمات المقدمة لتلك الفئة العزيزة على قلوبنا: (خدمة العربات الكهربائية والعادية)، (الروبوتات الذكية)، (استقبالهم من الساحات الخارجية وإرشادهم إلى الأماكن المخصصة لهم داخل المسجد الحرام)،‏ (السلالم والمصاعد الكهربائية)، (ترجمة الخطب والدروس للصم والبكم)، (المسارات الأرضية والمشَّايات)، (المزلقانات لتيسير حركة العربات)، (خرائط إلكترونية)، (مأمور خدمة خاص بالصم والبكم)، (تجهيز دورات مياه مخصصة)، كما أطلقت الرئاسة عدة مبادرات استهدفت أصحاب الاحتياجات الخاصة؛ منها: (نعم لعطائي لا لإعاقتي)، (طاقة ولسنا إعاقة)، (قادرون)، (معًا للقمة)، (شكرًا لعطائكم)، ودأبت كذلك الرئاسة على إقامة الندوات المعنية بتقديم أرقى الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل مخرجاتها.

-تقدم رئاسة شؤون الحرمين دعمًا لا محدود لأطفال مراكز مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة باستقبالهم في الحرمين المكي والمدني، ماذا تقولون عن ذلك الدعم؟

-إيمانًا من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ‏بمد جسور التواصل الاجتماعي وأنسنة خدماتها؛ تقوم باستقبال أطفال تلك المراكز في الحرمين الشريفين وأماكن الزيارات في مرافقها الخارجية، زارعة على شفاههم البسمة، ومعززة فيهم روح الثقة، وباعثة فيهم الأمل، مع إحاطتهم بأن الرئاسة في خدمتهم، وقد هيأت لهم التجهيزات اللازمة لاستقبالهم.