قال أستاذ الموهبة وتنمية التفكير بجامعة الملك فيصل، وعضو هيئة التحرير لموسوعة أبحاث الإعاقة الأستاذ الدكتور عبد الله الجغيمان إننا بحاجة إلى بناء أدوات تُسهم في اكتشاف ذوي الإعاقة من الموهوبين وتقديم برامج تربوية خاصة بهم لتنمية وتعزيز مواهبهم، وأن التعرف على الموهبة والقدرات العالية بحد ذاته ليس هدفًا، وإنما وسيلة لما بعده من إجراءات، وأضاف الجغيمان في المقابلة التي أجرتها معه مجلة "الخطوة" إنه لا بد من تكثيف البرامج التربوية التي تستجيب لحاجات هذه المواهب للنمو والتوهج ولا سيما لدى فئة مزدوجي الاستثنائية، وهو المصطلح العلمي الذي يُقصد به الأطفال الذين يعانون من إعاقة وفي الوقت ذاته يتميزون بموهبة أو قدرات استثنائية، كما أوضح أن الجهود الحكومية تطورت كثيرًا في تقديم الخدمات الخاصة بجميع فئات ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، إلا أن هذه الجهود لم تتناول ذوي الإعاقة من الموهوبين في برامجها بالشكل المطلوب، ولم ترقَ تلك الجهود إلى بناء أدوات تعرّف تُسهم في اكتشاف هذه الفئة أو تقديم برامج تربوية خاصة بها لتنمية وتعزيز مواهبها، فإلى الحوار.
س1: تعتبر الموهبة واكتشافها في سن مبكرة أحد العوامل الهامة والحاسمة في صقل هذه الموهبة ورعايتها حتى تؤتي الثمار المرجوة منها، هل يمكن أن تحدثنا عن أهمية اكتشاف الموهبة في سن مبكرة وآليات ذلك؟
نعم، هذا صحيح، كلما كان التعرف على الموهبة مبكراً كلما كان ذلك أفضل، وهذه قد تكون قاعدة اتفق عليها معظم المتخصصين في المجال. ولكن من المهم الإشارة إلى أن التعرف على الموهبة والقدرات العالية بحد ذاته ليس هدفاً، وإنما وسيلة لما بعده من إجراءات تتطلب تكثيف البرامج التربوية التي تستجيب لحاجات هذه المواهب للنمو والتوهج. أما عن آليات التعرف على هذه المواهب فيمكن تصنيفها إلى قسمين: القسم الأول آليات غير رسمية، وهي تلك التي يمكن من خلالها أن يتعرف الآباء أو المعلمون على بعض مؤشرات الموهبة، مثل القوائم الشخصية وقوائم الملاحظة التي تحدد أهم ملامح الموهبة في سن مبكرة. أما القسم الثاني فهي اختبارات القياس النفسي، والتي يتم تنفيذها من قبل متخصصين في القياس النفسي مثل اختبارات الذكاء، واختبارات التطور اللغوي والانفعالي، واختبارات القدرات والإنتاج الإبداعي، وكذلك المقابلات الشخصية، وفحص تاريخ النمو السلوكي والمعرفي للطفل، واستخدام منهجية التقويم الديناميكي. وفي العموم التعرُّف على مزدوجي الاستثنائية عملية معقَّدة تتطلَّب الأخذ في الاعتبار استخدام اختبارات ومقاييس وأدوات جَمْع بيانات متنوعة تستهدف البحث في الموهبة، كما تستهدف البحث في الإعاقة أو الصعوبة.
س2: يمتلك العديد من ذوي الإعاقة بشكل عام – والأطفال ذوو الإعاقة بشكل خاص- مواهب وقدرات استثنائية، وهذا يتطلب عناية وتعاملًا خاصًا لاكتشاف ورعاية مواهبهم، حدثنا عن ذلك؟
مزدوجو الاستثنائية هو المصطلح العلمي الأكثر قبولاً في الآونة الأخيرة لهذه الفئة من الأفراد الذين يعانون من إعاقة وفي الوقت ذاته يتميزون بموهبة أو قدرات استثنائية. هؤلاء الأفراد عادة ما تكون لديهم قدرات أو مواهب متميزة، وقادرة على الأداء العالي، ولكن في الوقت ذاته لديهم إعاقة أو اضطراب حسي، أو نمائي، يؤثِّر في بعض جوانب التعلُّم، وعلى هذا النحو فإن هؤلاء الأفراد يشكِّلون مجموعة متنوعة للغاية وكثيرة نسبيًّا. وتنتج ازدواجية الاستثنائية من وجود قدرات عالية وإعاقة في الوقت نفسه، مما يؤدي إلى هيمنة قدرتهم العالية على إخفاء إعاقتهم، أو هيمنة إعاقتهم لتخفي قدراتهم العالية، وقد يُخْفِي كلٌّ منهما الآخر، بحيث لا يتم التعرُّف على أي منهما أو معالجته. هؤلاء الأفراد يمكن التعرف عليهم بنفس الوسائل والأساليب التي سبق ذكرها في التعرف على المواهب بشكل عام، إلا أن طريقة إدارة أدوات التعرف، وتحليل نتائجها مختلفة إلى حد ما. باختصار شديد، هناك ثلاثة اعتبارات مهمة أثناء تشخيص هذه الفئة، تتمحور هذه الاعتبارات في: وجود أدلة على تفوُّق أو قدرة متميزة، وجود أدلة على تناقض بين القدرة والإنجاز، ووجود أدلة على خلل في المعالجة الذهنية، أما عن الجانب الأهم وهو الرعاية، تتجه معظم البرامج والخدمات الموجهة لهذه الفئة بشكل عام إلى التدخلات الفردية، مع تطعيمات متعددة من البرامج والتدخلات الجماعية في مجموعات مع الطلبة ذوي الموهبة ممن لا يعانون من إعاقات أو اضطرابات قدر الإمكان، وقد يكون السبب في ذلك لكونه من الصعوبة بمكان توافر عدد مناسب في مدرسة واحدة لنفس النوع من ازدواج الاستثنائية، والسبب الآخر قد يكون للتنوع الكبير بين الفئات الفرعية لمزدوجي الاستثنائية، والتفاوت الكبير بينهم في مستوى تأثير الصعوبة أو الإعاقة فيهم، وكذلك مستويات مواهبهم. المنحى العام للبرامج الخاصة بهذه الفئة يتجه نحو التركيز على مواطن القوة، مع العناية بالجوانب الأخرى، ومن بينها مكامن الضعف باعتبارها مكملات لمواطن القوة دون استهداف أو تركيز لذاتها.
س3: تبذل الدولة ومؤسساتها جهودًا ملموسة في رعاية ذوي الموهبة والإبداع وتشجيعهم، هل لك أن تحدثنا عن أبرز الجهات التي تقوم بذلك، وما هي جهودها في رعاية وتشجيع الموهوبين من ذوي الإعاقة بشكل خاص؟
ولله الحمد والمنة، تطورت الجهود الحكومية كثيرًا في تقديم الخدمات الخاصة بجميع فئات ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من الطلبة، كما ظهرت جمعيات ومؤسسات أهلية متنوعة تخدم فئات ذوي الإعاقة بشكل عام، مثل مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، وجمعية الأطفال ذوي الإعاقة، وجمعيات ذوي الإعاقة المنتشرة في كل منطقة في المملكة العربية السعودية. كما ظهرت جمعيات متخصِّصة في مجالات التربية الخاصة، مثل التوحُّد، ومتلازمة داون وغيرها، إلا أن أيًّا من هذه الجهود والجمعيات لم يتناول ذوي الإعاقة من الموهوبين في برامجها إلا من خلال تقديم بعض النماذج المتميزة من ذوي الإعاقة في المعارض والاحتفالات وغيرها، ولم تَرْقَ تلك الجهود إلى بناء أدوات تعرُّف تُسهِم في اكتشاف هذه الفئة، ولم تمتد لتقدِّم برامج تربوية خاصة بها لتنمية وتعزيز مواهبها. أما في مجال الموهبة فقد تم إنشاء مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين في عام 1999، وبعدها بقليل تم إنشاء الإدارة العامة لتربية الموهوبين في وزارة المعارف (وزارة التعليم حاليًّا) عام 2000، وتبع ذلك إنشاء مراكز للموهوبين في جميع مناطق المملكة العربية السعودية، ومع ذلك لم يتم وضع أدوات للتعرُّف على فئة مزدوجي الاستثنائية، ولا برامج لرعاية مواهبهم من قِبَل أيٍّ من الجهتين المذكورتين. الجانب المضيء في هذا الجانب أن بعض الجهات خصَّصت جوائز لهذه الفئة، مثل جائزة الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، وجائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة، وجائزة جمعية الأشخاص ذوي الإعاقة، وجائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال ذوي الإعاقة.
س4: ما هي أبرز المعوقات التي تعيق اكتشاف الموهبة لدى الأطفال ذوي الإعاقة في سن مبكرة؟ وما هي آليات تجاوز هذه العقبات؟
أعتقد أن أهم المعوقات هو عدم وجود تشريعات خاصة بالأفراد مزدوجي الاستثنائية، وعدم الإشارة إلى هذه الفئة. إن الاعتماد على التعريفات التي تتناول ذوي الموهبة فقط، أو تلك التي تتناول ذوي الإعاقة فقط، على اعتبار أن فئة مزدوجي الاستثنائية متضمَّنة فيهما على كل حال؛ أدَّى إلى فقدانهم من كلا الفئتين في كثير من الأحيان، وحرمانهم من خدمات إحدى الفئتين في أحايين أخرى. لذلك، أرى من الأهمية بمكان أن يتم سن تشريعات خاصة بهذه الفئة، أو على أقل تقدير تعديل الأنظمة والتشريعات القائمة في مجال الموهبة ومجال الإعاقة لتستوعب احتياجات هذه الفئة. كما أرى أهمية ظهور جمعيات أهلية خاصة لدعم هذه الفئة، والتوعية باحتياجاتها، والتعريف بها. هذه الفئة موجودة في كل مدرسة، ونسبتها عالية، إلا أن التحدي يكمن في عدم القدرة على التعرف عليها. أفراد هذه الفئة يواجهون تحديات متنوعة لتحقيق أقصى استثمار لقدراتهم ومواهبهم، وتتنوَّع هذه التحديات بين ذهنية، أو انفعالية، أو بدنية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو مزيج من بعضها أو كلها، ومع الأسف الشديد، الخبرات التي تعايشها هذه الفئات في كثير من الأوقات سلبية تجعل منهم يشعرون بأنهم فاشلون، أو ذوو قدرات محدودة، وأنهم دومًا بحاجة إلى المساعدة، أو المعاناة في أثناء القيام بمهام محدَّدة ذات ارتباط بمكامن الصعوبة لديهم، مما ينعكس سلبًا على تقديرهم لأنفسهم، وإيمانهم بقدراتهم، ويُشْعِرهم بالقلق الشديد، وأحيانًا الاكتئاب، ويولِّد لديهم الشعور بالغضب الداخلي، وقد يتسرَّب إلى الخارج من خلال انفعالات غير منضبطة. إن هذه المعاناة المستمرة قد تُخَلِّف وراءها تدهورًا ملحوظًا في الأداء الأكاديمي والعلاقات الاجتماعية، والتعامل مع الرفاق، وعدم قدرة على قراءة التعبيرات غير اللفظية، وهو ما يؤدي بلا شك إلى تراجع رهيب في الدافعية الذاتية، والثقة في النفس.
س5: يلعب الإعلام دورًا كبيرًا في تسليط الضوء على القضايا الهامة والتي تحتاج إلى رعاية وعناية؟ ما هو واقع الإعلام السعودي ودوره الحالي في التعامل مع الموهوبين ولا سيما ذوي الإعاقة منهم؟
لا شك أن للإعلام الرسمي أو غير الرسمي، الإعلام التقليدي، أو الإعلام الحديث دور مهم في التوعية والتعريف بهذه الفئة، ومع الأسف الشديد هناك قصور واضح في هذا الجانب. تركيز الإعلام غالباً على ذوي المواهب البارزة، أو ذوي الإعاقة. الناس بحاجة إلى التعرف على خصائص الأفراد ذوي الاستثنائية؛ خصائصهم، أساليب التعرف عليهم، وكيفية تقديم الخدمات المناسبة لقدراتهم، وتعزيز مواهبهم. على الرغم من صعوبة إعطاء أرقام حقيقية عن هذه الفئة؛ لقُدْرَتِها الفائقة على الاختفاء، فإن أكثر التقديرات تحفُّظًا ترى أنهم يمثِّلون ما يقارب 5% من الأفراد ذوي الموهبة، بل إن بعض الدراسات أشارت إلى أن نسبهم تصل إلى 2.5 من المجتمع، وهذا يعني أن أعدادهم كبيرة، ومن الهدر الكبير عدم استفادة المجتمع من قدراتهم، وتوظيف مواهبهم لخدمة أنفسهم ووطنهم. من هنا قد يكون للإعلام دور ريادي في تسليط الضوء على هذه الفئة المنسية.
س6: كان لسعادتكم إسهامات في الجهود البحثية التي يقوم بها مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة من خلال المشاركة في التأليف والإشراف على موسوعة أبحاث الإعاقة التي أصدرها المركز والتي ركزت على المواهب المخفية للأطفال ذوي الإعاقة، هل لك أن تحدثنا عن هذه الموسوعة ودوركم فيها؟
شرف عظيم لي أن أشارك في تحرير هذه الموسوعة، وأن أقوم بتأليف كتاب خاص حول مزدوجي الاستثنائية ليكون جزءًا من أجزاء هذه الموسوعة. في حدود علمي، هذه الموسوعة فريدة من نوعها على مستوى الوطن العربي، وتقدم خدمة جليلة للمهنيين، والمختصِّين، والمهتمِّين بأحدث المعلومات والمعرفة، وأكثرها مصداقيةً حول الإعاقات بأنواعها المتعدِّدة، والتدخُّلات التربوية والطبية والتأهيلية المتاحة للتعامل معها، وكيفية الوصول بهذه الفئات إلى الاستقلالية، والعمل في مرحلة الشباب، وبهذا فإن هذه الموسوعة تستهدف فئة واسعة من المهتمين بهذه المجالات؛ سواءً أكانوا أكاديميين، أو ممارسين تربويين، أو معالِجين، أو أولياء أمور، أو حتى مَن يرغب في التوسُّع المعرفي، وزيادة حصيلته الثقافية، كما تدخل ضمن الفئات المستهدَفة من هذه الموسوعة الجهاتُ والمراكز التربوية والتأهيلية والصحية التي تُعنَى بهذه الفئات. وقد تم تقسيم هذه الموسوعة إلى أربعة كتب مستقلة، كل كتاب يجمع بين طيَّاته مجموعة من الإعاقات المتنوعة التي يمكن أن تجمعها مظلَّة واحدة وفق اعتبارات نسبية.
س7: يعقد مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة في شهر نوفمبر القادم المؤتمر الدولي السادس لأبحاث الإعاقة بهدف بحث ودراسة آخر المستجدات والتطورات العلمية العالمية في مجال الإعاقة، برأيكم كيف يمكن استثمار هذا المؤتمر لتفعيل الاهتمام والعناية بالموهوبين من ذوي الإعاقة واستثمار مواهبهم؟
المؤتمر الدولي لأبحاث الإعاقة أحد أهم الأحداث العلمية العالية في مجالات الإعاقة، وهو فرصة قيمة لكل المهتمين في مجالات الإعاقة للتواصل المباشر مع علماء وباحثين عالميين ومحليين أنفقوا حياتهم المهنية بكاملها لخدمة فئات ذوي الإعاقة. ومن الجميل في هذا المؤتمر أنه لم يُغفل فئة مزدوجي الاستثنائية، حيث خصص محوراً من محاوره لمناقشة القضايا ذات العلاقة، ويستضيف فيه علماء بارزين على مستوى عالمي لتسليط الضوء على هذه الفئة، وعرض نتائج أحدث الدراسات العلمية المتعلقة بها. وهذه فرصة لكي أحث الباحثين في الوطن العربي على التركيز في دراساتهم على هذه الفئة، فهو مجال واعد، وخصب، والدراسات العربية فيه محدودة للغاية، والحاجة إليه ماسة.