حوار: منتصر جابر
أكد عضو شرف جمعية الأطفال المعوقين الأستاذ عبدالله المجدوعي أن المساعدات الإنسانية التي قدمتها المملكة للعالم قدرت بمبلغ 139 مليار دولار خلال 40 عاماً، وأن قادة المملكة نموذج مثالي للعمل الخيري في العالم، مشيراً إلى أن تلك المبادرات والأعمال الخيرية هي بمنزلة بوصلة للقطاع الخاص ومحفز لرجال الأعمال في مجال العمل الخيري.
وقال المجدوعي في حوار خاص مع "الخطوة" إن الحملة الوطنية "الله يعطيك خيرها" ذات أهمية كبيرة على مستوى الحد من الحوادث المرورية، و"لكن ما ينقصنا هو التطبيق الحازم والصارم للأنظمة المرورية"، موضحاً أن الناس ملت من الحديث عن التوعية، وأن الوقت حان للمزيد من الحزم والصرامة في تطبيق اللوائح؛ وحسب القول المأثور : "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
وتضمَّن الحوار مع الأستاذ عبدالله المجدوعي الكثير من المحاور المهمة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، ودور رجال الأعمال في العمل الخيري، ومدى أهمية وجود حوافز للقطاع الخاص للتشجيع على الاستثمار في الأعمال الخيرية، وغير ذلك من قضايا نطرحها مع واحد من أبناء الشيخ علي بن إبراهيم المجدوعي الذي يعد قدوةً تُحتذى في العمل الخيري والتفاعل الإيجابي مع القضايا الاجتماعية في هذه البلاد الطيبة.
- إن مبادرات والدكم الشيخ علي بن إبراهيم المجدوعي المتواصلة ونجاح الجمعية وخدماتها المجانية تعكس خيرية أبناء هذا الوطن وحرصهم على مساندة الأعمال الخيرية.. فماذا تقولون في ذلك، وما أهمية التفاعل مع الأعمال الخيرية وآثاره الاجتماعية؟
= منذ الصغر كان الوالد -أطال الله عمره- متديناً وقريباً من ربه، وطوال مسيرته العملية اعتمد على النهج الإسلامي في حياته عموماً، وهذه الصفات -ولله الحمد- يتشارك فيها غالبية أبناء هذا الوطن. والحمد لله أن الخير في أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- قائم إلى قيام الساعة، وأهل هذه البلاد مجبولون على حب الخير فطرياً ودينياً، أضف إلى ذلك أنه ينعكس اجتماعياً على المجتمع من ناحية انتشار السعادة والمحبة والإخاء بين أفراد المجتمع الواحد فقيرهم وغنيهم.
- يسترشد القطاع الخاص بالدور القائد للدولة في مجال العمل الخيري، وأن مشاركات هذا القطاع ليست إلا امتداداً لدور الدولة.. فماذا تقولون في ذلك؟
= وضع بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية كحاضنة للحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وما تبعها من اهتمام من قبل الدولة في مجال خدمة الحجاج والزوار والمعتمرين. وهذا أعظم عمل خيري لك أن تراه.
ولا شك أن دولتنا هي قدوتنا وأعمالها الخيرة ممتدة إلى كل أقطار العالم؛ مما جعلها في المرتبة الأولى عالمياً في تقديم المساعدات الإنسانية؛ فقد قدرت المساعدات بمبلغ 139 مليار دولار خلال 40 عاماً، ومثل تلك الأعمال الخيرة تعطي للقطاع الخاص مؤشراً عن مدى التفاعل المطلوب للعمل الخيري وتحفيز رجال الأعمال للاقتداء بهذا النهج الحسن.
- أكدت الدراسات والتجارب أن العلاقة بين زيادة معدلات التنمية ورواج النشاط الاقتصادي في أي دولة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعمل الخيري... فإلى أي مدى يمكن تطبيق ذلك على المملكة؟
= العمل الخيري (المسؤولية الاجتماعية) يعمل على تنمية الوعي وزيادة معدلات التنمية من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومسمى المسؤولية الاجتماعية ظهر في الغرب للتكفير عن الذنوب التي ارتكبتها بعض الشركات الدولية في حق البيئة والبشر. أما في دولتنا فإن العمل الخيري لسنين طويلة كان يعتمد مبدأ الصدقات المباشرة أو بناء المساجد، إضافة إلى انتهاجها منهج السرية؛ طمعاً في المزيد من الأجر والمثوبة. ولكن ومع تطور المجتمع وتنوع احتياجاته أصبح التركيز على دعم المشاريع المنتجة أكثر من إعطاء النقد والانتقال من التفكير في جمع المال للمشروع إلى التفكير في استدامة المشروع عن طريق الأوقاف الخيرية، وتمت الاستعانة بقدرات إدارية محترفة وشركات استنارية، وكل ذلك أدى إلى حدوث نقلة نوعية في القطاع الخيري وتطويره.
- كيف ترى أهمية امتداد مظلة خدمات الجمعية لتشمل الكثير من المناطق، بإنشاء الكثير من المراكز؛ سعياً إلى توفير رعاية شاملة للأطفال المعوقين، خصوصاً أن مساهمات الشيخ المجدوعي في إنشاء مركز في منطقة الباحة كان لها الأثر الكبير في رعاية الأطفال المعوقين بالمنطقة؟
= الجمعية أياديها بيضاء في هذا الجانب، وسمو الأمير سلطان بن سلمان. وعلى الرغم من مشاغله الكثيرة والتزاماته الأكثر إلا أنه لا يألو جهداً في دعم الجمعية ومتابعة مشاريعها أينما كانت؛ فله كل الشكر والثناء، وجزاه الله خير الجزاء.
والمملكة مترامية الأطراف، والمعوقون موجودون في المدن الكبيرة والمدن الصغيرة، على حد سواء، وجميعهم لهم حق علينا في أن نرعاهم ونهتم بهم ونهيئ لهم سبل العيش الجيد، وأنا أرى الجمعية تبسط جهودها في معظم مناطق المملكة وفي جعبتها الكثير بحول الله.
- لا شك أن لرجال الأعمال وأهل الخير أدواراً بارزة في مساندة الأعمال الخيرية.. فبماذا تدعو رجال الأعمال للمشاركة في هذا الإطار؟
= الفطرة الخيرة -بحمد الله- متأصلة في هذا المجتمع بجميع أطيافه ومستوياته، ورجال الأعمال مستعدون للبذل والعطاء مع توفر عنصرين مهمين: الأول التسويق الجيد للمشروع الخيري، والآخر الإدارة المتميزة لإدارة المشروع الخيري، وتشمل تقارير دورية وصوراً ومعلومات وإنجازات عن هذا المشروع الخيري أو ذاك. رجل الأعمال مشغول وكثير الأسفار، ولكن إذا وجد مَن يحمل عنه عبء الإدارة والمتابعة للعمل الخيري بشكل مهني وحرفي فسيكون أكثر عطاءً وبذلاً.. وندائي هنا لرجال الأعمال أن يكون الدعم الخيري أكثر ذكاءً ونفعاً واستدامةً.
- في ظل رعاية الدولة لقطاع الأعمال الخاص.. هل ترى أن هذا القطاع يقوم بدوره الاجتماعي؟
= لا شك أن القطاع الخاص يساهم مساهمة فعالة في العمل الخيري والمجتمعي، وقد لا يكون ذلك ظاهراً لكثير من الناس بسبب أن الكثيرين منهم لا يحبون المجاهرة بالعمل الخيري؛ طمعاً في المزيد من الأجر والثواب. وهناك مبالغ هائلة تُصرف على العمل الخيري من رجال الأعمال، ولكن لا يعلم عنها إلا قليل.
- ما رؤيتكم لدور الدولة في مساندة قضية الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة.. وما جوانب القصور، وكيف يمكن تفاديها؟
= الدولة تبذل الكثير من الجهود في مسانده قضية الإعاقة، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان حامل راية المعوقين في بلادنا له أدوار جبارة ومتواصلة في تحريك هذا الملف على المستوى الوطني وجعله دائماً في أعلى سلم الأولويات لدى الجهات الحكومية والخاصة.
ومن المؤكد أن المطلوب أكثر مما تحقق فما زال دمج المعوق في المجتمع ليس بالشكل المطلوب، وكذلك تيسير سبل التنقل له في شوارعنا ومبانينا التي لا يزال ينقصها الكثير، وما زالت الحوادث المرورية تشكل استنزافاً مرعباً لشباب هذا الوطن وما ينتج عن ذلك من إعاقات وتشوهات؛ لذلك يجب أن تكون هناك وقفة جادة في هذا الجانب.
- كيف ترى أهمية أن يكون هنالك مردود أو تحفيز أكبر للقطاع الخاص من الدولة عند ارتفاع مستوى مساهماته الخيرية والاجتماعية؟
= إن ذلك مهم للغاية؛ فهل يستوي من يساهم في رفاهية المواطن ويبذل ويعطي مثل من يبخل على وطنه ولا يؤدي واجباته تجاه وطنه. والتحفيز من جانب الدولة قد لا يكون مادياً، ويمكن أن يكون معنوياً وتشريفياً لرموز الخير والعطاء؛ فمَن يعطي بصدق لا ينتظر الشكر والثناء من أحد إلا من الخالق، ولكن التحفيز المعنوي له وقع وصدى جميل وتحفيز للآخرين.
- شركة المجدوعي من أبرز شركاء الحملة الوطنية "الله يعطيك خيرها".. ويهمنا رأيكم في أهمية هذه الحملة وضرورتها؛ للحد من تزايد من ضحايا الحوادث المرورية؟
= إن تزايد عدد ضحايا حوادث السيارات في المملكة يمثل كارثة حقيقية على المستويين الاجتماعي والإنساني؛ ولهذا كان لا بدَّ من وقفة حازمة تجاه هذا النزيف المستمر في الأرواح، وكذلك على المستوى الاقتصادي؛ ولذلك فإن الحملة الوطنية "الله يعطيك خيرها" ذات أهمية كبيرة وضرورية، خصوصاً أن السعودية هي الأولى في عدد ضحايا السيارات بالعالم؛ ولهذا فإن هذه الحملة نبيلة في توجهها وأهدافها ومقاصدها، والمشاركة فيها تعنى المشاركة في إنقاذ حياة إنسان -بإذن الله-، ومنع إصابة شخص بالإعاقة. ونظراً إلى أهمية هذه الحملة فإنه من الضروري أن يواكبها تطوير في الأنظمة المرورية يتلاءم مع تزايد الحوادث المرورية، إضافة إلى المراقبة والمتابعة الشديدة في تطبيق هذه الأنظمة للحد من الضحايا. ولا شك أن التوعية مطلوبة ومهمة، لكن في اعتقادي أن تطوير الأنظمة وتطبيقها ذو أولوية عن التوعية؛ فمهما كانت التوعية فاعلة وموسعة فإنها لن تكون بمستوى التطبيق الحازم للقوانين والأنظمة المرورية؛ إذ إن الكثير من الناس يعرفون مخاطر السرعة وعواقب القيادة المتهورة للسيارات. ولأننا في النهاية نخاطب ونتعامل مع شعب متعلم، والمملكة من الدول التي تضم أعلى نسبة من المتعلمين في العالم، ويعلمون جيداً تبعات الحوادث عليهم وعلى أسرهم؛ لأن ضحية الحادث المروري لا يتأثر بمفرده بل كل أسرته ستتأثر وتكون ضحية كذلك. ولكن تظل هذه الحملة ذات أهمية كبيرة وتأثيرها -إن شاء الله- إيجابي على الأفراد وعلى الأسر وعلى الدولة، وأدعو الله أن يجزي القائمين عليها كل الخير؛ لما لها من أهمية كبيرة للمجتمع.
- في إطار النجاح الذي حققته الحملة بمساندة رجال الأعمال والقطاع الخاص.. ماذا يمكن أن تقوله لرجال الأعمال للمشاركة في هذه الحملة الوطنية؟
= رجال الأعمال في المملكة أصحاب مبادرات طيبة في كل ما من شأنه المساهمة في تنمية المجتمع، والغالبية يبذلون الكثير في الأعمال الخيرية والإنسانية، وهذا واجبهم من النواحي الشرعية والدينية والإنسانية، وكذلك على مستوى الانتماء الوطني. وعموماً، فإن أفراد المجتمع من الذكاء لمعرفة رجال الأعمال الذين يقومون بدورهم الاجتماعي ويساهمون في تحقيق مكتسبات حقيقية لوطنهم، وغيرهم من الذين لا توجد لهم بصمات خير على مجتمعهم ولهم مواقف اجتماعية سلبية.
وأعتقد أن العمل الخيري جزء لا يتجزأ من الأعمال التجارية؛ لأن الربحية من أي عمل تجاري لا تنقص أبداً ما دام العمل الخيري جزءاً منها، بل تزيد وتطرح فيها البركة. هذه حقائق شرعية، وكل مسلم يدرك هذه القيم، والحمد لله السواد الأعظم من رجال الأعمال في المملكة كلهم خير وبركة، والكثير منهم يبذل ويجزل في عطائه دون أن يعرف أحد ذلك.
- كيف يمكن في رأيك الحد من الحوادث المرورية التي تكبد الدولة الكثير من أرواح المواطنين وإصابة الكثير منهم بالإعاقة؟
= إن درجة الوعي لدى المواطن الآن أكبر وأكثر من السابق، وغالبية المخالفين يعلمون أن عملهم مخالف للقوانين، وعندما يقودون سياراتهم في دول الخليج فإنهم يلتزمون بالقوانين بشكل كامل. ما ينقصنا هنا تطبيق حازم وصارم للنظام. لقد مللنا من الحديث عن التوعية، وأعتقد أن الوقت حان للمزيد من الحزم والصرامة في تطبيق اللوائح؛ فـ"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
- ما مقترحاتكم لتطوير حملة "الله يعطيك خيرها" في المرحلة المقبلة.. وكيف ترون ذلك؟
= الحملة منذ باركها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وهي في تطور مستمر بالجهد المخلص الذي يبذله صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز؛ فهذا الرجل يولي قضية الإعاقة اهتماماً غير مسبوق، ويدرك مدى تأثير هذه القضية في الأفراد والدولة. وهو وجميع القائمين على جمعية الأطفال المعوقين يعملون بصدق وأمانة يحدوهم الإيمان العميق بأبناء هذه الدولة، سواء من المعوقين أو من غيرهم، للحياة بصورة إنسانية كريمة؛ ولهذا فإنني أرى في مبادرة الحملة للوصول إلى طلاب المدارس في الرياض أبرز تطوير تشهده منذ انطلاقها. وكما يقولون فإن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر؛ لذلك فإن انطلاق الحملة للتوعية في المدارس هي خطوة متميزة وتطويرية للحملة، وهي بمنزلة النظرة المستقبلية، ونأمل أن تصل إلى كل المدارس في المملكة؛ فهكذا يكون البناء الصحيح. ولا شك أن توثيق العلاقة بين التعليم وثقافة المرور والقيادة الآمنة والالتزام بالقواعد المرورية لأبنائنا في هذه المرحلة المبكرة يرسخ لديهم ثقافة مرورية صحيحة لا ينحرف عنها في المستقبل غير نسبة محدودة كما يحدث في معظم دول العالم.