حوار - منتصر جابر
واجه أحمد زايد الموت في لحظة عابرة غير متوقعة.. ورغم النجاة منه بأعجوبة إلا أنه خلف آثاراً بليغة عليه؛ فقد تحول فجأة من شاب في كامل صحته وهو في الصف الأول الثانوي إلى معوق بلا ساقين؛ فقد كان جالساً على درج محل والده -رحمه الله-، وجاءت سيارة مسرعة انحرفت عن مسارها ودهسته، وتم بتر الساقين للنجاة من موت محقق!
الشاب الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الموت لم يستسلم للإعاقة بل أصبح نموذجاً يحتذى للمعوقين، وأبرز مَن ساعد أصحاب الاحتياجات الخاصة على بداية حياة جديدة كريمة وإنسانية من خلال موقعه الإلكتروني الذي يهدف إلى توظيف ذوي الإعاقة.
وفي حوار مع "الخطوة" قال أحمد زايد: "إن إعاقتي سر نجاحي؛ فأنا أفتخر بالحديث عنها على الرغم من أنني كنت في البداية خجولاً، ولكنها جعلتني أتعلم وأبادر".. وغير ذلك من دروس ومواقف وأحداث يروها لنا في هذا الحوار..
- ما إصابتك وكيف حدثت وآثارها عليك؟
= أصبت بحادث دهس عام 1418هــ أدى إلى بتر كلتا ساقيّ. كنت جالساً على درج محل والدي -رحمه الله-، وجاءت سيارة مسرعة انحرفت عن مسارها؛ الأمر الذي أدى بها في نهاية المطاف إلى دهسي وبتر كلتا ساقيّ.. فقد كانت الإعاقة مجرد لحظة !!
أما بالنسبة إلى آثارها علي ففي البداية كنت حزيناً، لكن تفاعل والدي -رحمه الله- معي، وبحكمته جعلني أتخطى مرحلة الحزن لأعيش سعيداً بإعاقتي طول حياتي، ولله الحمد.
- كان من المتوقع أن تكون شخصية فاعلة في التوعية عن الحوادث المرورية حيث إن إصابتك كانت بسببها، ورغم ذلك اتجهت نحو توظيف المعوقين.. لماذا؟
= صحيح، وبالفعل لي مشاركات في التوعية عن الحوادث، آخرها كان في أسبوع المرور الخليجي قبل الماضي في مدينتي الجميلة الطائف. لكن بصراحة التوعية بالحوادث ستجعلني دائماً أتذكر الحادث الذي وقع لي، وسأبدو حزيناً دائماً. أما بالنسبة إلى توجهي نحو توظيف المعوقين، فهي بسبب معاناتي في الحصول على وظيفة، وأيضاً ما لمسته من إخواني وأخواتي أصحاب الإعاقة في هذا الأمر.
- حملت على عاتقك تحقيق مقولة "من رحم المشكلة يولد الحل"؛ فأنشأت شبكة إلكترونية "وساطة" لتوظيف ذوي الإعاقة عام 2011.. أولاً حدثنا عن الشبكة وأسبابها ونتائجها حتى الآن، ومن يعمل معك، وعدد الذين تم توظيفهم؟
= شبكة "وساطة" حققت هذه المقولة -ولله الحمد-، ونحن كمواطنين يجب ألا ننتظر من الدولة عمل كل شيء لنا بل يجب علينا أن نعطي كما نأخذ، وأن نبادر في حل المشكلات وطرح الحلول لها.
شبكة وساطة حققت جائزة الملك خالد لفرع شركاء التنمية -ولله الحمد-، ونحن فخورون بهذه الجائزة؛ لأنها تحمل اسم الملك خالد -رحمه الله- الذي يعتبر رائد التنمية في المملكة، كما أن استلام الجائزة من والدي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- شرف كبير لنا.
- حدثنا عن جائزة الملك خالد لشركاء التنمية.. فما هذه الجائزة، وكيف تراها بعد جهود من العمل التطوعي؟
= جائزة الملك خالد تعد أهم جائزة في المملكة، وحصولي على جائزة شركاء التنمية -ولله الحمد- أعطاني الكثير؛ إذ إن الجائزة لم تكن مبلغاً مالياً وتكريماً من الملك سلمان -حفظه الله- بل استمر دعم مؤسسة الملك خالد لي بجميع النواحي؛ ومن هنا أقدم لهم الشكر والعرفان.
- تفضل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بتدشين موقع "وساطة" مؤخراً.. فما أثر ذلك في الحملة التي تقودها، وكيف كانت مبادرات أصحاب العمل، وكذلك إقبال المعوقين الباحثين عن فرص عمل؟
= بما أنك ذكرت صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- فلابد من أن أذكر هنا أن مجرد اللقاء به كان حلم طفولة بالنسبة إليَّ؛ فقد تمنيت لقاءه منذ الصغر، وقبل الإعاقة، كأول رائد عربي مسلم، ونحن صغار كانت لقطات مكالمته مع الملك فهد -رحمه الله- والملك سلمان -حفظه الله- تعرض دائماً في التلفاز، وكنت معجباً به، وبما وصل إليه، وطبعاً تدشين سموه لموقع وساطة في نسخته الثانية يعني لي الشيء الكثير، ولن أستطيع وصف هذا الشعور في هذه العجالة، لكن أقول له: "شكراً"؛ فقد زادت أهمية الموقع وانتشاره بعد تفضله -حفظه الله- بتدشينه.
- ماذا عن إطلاق أول تطبيق جوال لتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، وهل هو استكمال أو امتداد لموقع "وساطة"، وما مدى الإقبال عليه؟
= نعم، هو لتسهيل الوصول إلى الموقع من أي مكان.
- يبدو أنك تستخدم وسائل الاتصال الحديث وكذلك المواقع الإلكترونية للتواصل مع ذوي الإعاقة.. هناك رأي يرى أن هذه التقنيات الجديدة تزيد من عزلة أصحاب الاحتياجات الخاصة وتعرقل دمجهم بالمجتمع، وخصوصاً الجيل الجديد.. ما رأيك في ذلك، وكيف يتم تلافي آثارها السلبية على المعوقين؟
= هناك مشروع لتصبح المملكة العربية السعودية حكومة إلكترونية، ونحن كأشخاص ذوي إعاقة استفدنا كثيراً من هذه التقنيات لإيصال صوتنا؛ ما جعل الحياة تسهل في طريقنا، ولله الحمد، وموقع شبكة وساطة يسهل على المعوقين إيجاد الوظيفة في ظل عدم تهيئة كثير من الأماكن التي قد تكون مقراً لعمل المعوق يوماً؛ فنحن نشدد على تهيئة أي مكان يطلب توظيف ذوي الإعاقة.
- بعض أصحاب الاحتياجات الخاصة لا يرغبون في الحديث عن إعاقتهم ولا كيف حدثت؛ لذلك نريدك أن تحدثنا عن نجاحك في مواجهة الإعاقة التي طرأت على حياتك، بعد أن كنت شخصاً عادياً؟
= صحيح، لكن لأن إعاقتي سر نجاحي؛ فأنا أفتخر بالحديث عنها على الرغم من أنني كنت في البداية خجولاً.
- هل واجهت إعاقات من آخرين في مشوار تحديك للإعاقة.. ما هي، وكيف تجاوزتها؟
= الحمد لله مجتمعي الصغير لم يشعرني يوماً بأني معوق، لكن البحث عن وظيفة مناسبة لي صدمني؛ إذ تيقنت واقعاً أنني معوق؛ ولهذا شعار شبكة وساطة: "لستُ معاقاً ما دام وجودي مهماً".
- مررت في حياتك بكونك إنساناً عادياً ثم إنساناً معوقاً.. هل حدث فرق للإنسان أحمد زايد المالكي في أحلامه وطموحاته، وهل تغيرت رؤيتك للناس وللحياة؟
= طبعا الأحلام تغيرت؛ فمثلا كنت أحلم بأن أكون ضابطاً، وأيضا رائد فضاء، لكن هذه الأحلام صعبة مع وجود إعاقة، أما بالنسبة إلى نظرتي للحياة والناس فأصبحت متفائلاً جداً وفخوراً بإعاقتي.
- ما الجوانب الإيجابية والسلبية لإعاقتك؟
= أحب أن أذكر الإيجابيات؛ فإعاقتي جعلتني أتعلم وأبادر.
- ألم يدفعك الحادث المروري الذي أدى إلى إعاقتك إلى عمل شيء توعوي يمكن أن يساهم في إنقاذ الآخرين من مثل هذه الحوادث؟
= نعم شاركت -كما ذكرت سابقاً- في أسبوع المرور الخليجي بالطائف.
- كيف ترى خدمات جمعية الأطفال المعوقين في مساندة هذه الفئة لتجاوز ظروف الإعاقة؟
= شخصياً، أصبت بإعاقتي في سن البلوغ الذي لا يسمح بقبولي بالجمعية للاستفادة من خدماتها، لكني أرى مساهمات جمعية الاطفال المعوقين في شتى مجالات الإعاقة، وأيضاً تم بيننا وبين مركز جمعية الأطفال المعوقين في جدة تعاون في أحد ملتقيات التوظيف. كما أن الجمعية في الرياض تحرص على وجود شبكة وساطة في جميع الملتقيات التي تنظمها أو تشارك في تنظيمها؛ ومن هنا أشكرهم جزيل الشكر.
- كيف يستطيع المعوق أن يحقق التفوق والتميز.. وهل نجد لديك وصفة نجاح لكل معوق؟
= كل شخص لديه إمكانات إذا استغلها استغلالاً صحيحاً فإنه سينجح بعد توكله على الله.
- كيف ترى رعاية الدولة للمعوقين في المملكة؟ وهل حدث تطور في حجم ونوع هذه الرعاية؟
= تولي حكومتنا الرشيدة ذوي الإعاقة أهمية كبرى -ولله الحمد-، ونحن نشكرها. وطبعاً الخدمات تتطور، ومَن يقل خلاف ذلك فإما أن يكون جاهلاً أو حاقداً، لكن يوجد بعض التشتيت بالنسبة إلى الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة؛ لعدم وجود مرجعية واحدة لذوي الإعاقة؛ ومن هنا اسمحوا لي بتوجيه رسالة إلى والدي سلمان الحزم بحاجتنا إلى هذه المرجعية، وهي هيئة إعاقة سعودية.
- هل ترى أنّ أفراد المجتمع في حاجة إلى زيادة الوعي باحتياجات المعوقين؟
= لا يزال المجتمع في حاجة إلى وعي أكثر.