
قال بندر الدهامي: "كانت الدموع تسبقني كلما اقتربت من الجمعية؛ فقد كان قلبي يرفرف مثل طائر.. لا أعرف خوفاً أم شوقاً.. إلى درجة أنني نسيت حتى حروف الكلمة التي سألقيها في اجتماع الجمعية العمومية الـ29 فالجمعية كانت بمثابة طاقة نور رأيت من خلالها العالم، وأنارت لي طريقي في الحياة".
وأضاف: "ما إن دخلت الجمعية حتى زال إحساسي بالرهبة والخوف والتردد، وتذكرت كل شيء، حتى مشاعر الحب والحنان من كل فرد التقيته يوماً بالجمعية؛ فقد احتوتني بدفء أمانها واطمئنانها الذي شعرت به أول مرة منذ دخلتها قبل نحو 30 عاماً، وكنت وقتها طفلاً صغيراً يعاني من شلل رباعي".
وبندر عبدالله سليمان الدهامي أحد أبناء الجمعية الذين تخرجوا فيها قبل سنوات، وتمكن -بفضل الله، بعد أن استكمل برامجه العلاجية والتعليمية والتأهيلية المتخصصة بالجمعية- من أن يستكمل كل مراحله التعليمية، حتى تخرج في الجامعة، ويعمل حالياً اختصاصي علاقات عامة في شركة (سبيماكو الدوائية)، وقد دعته الجمعية مؤخراً إلى إلقاء كلمة أبناء الجمعية في أبرز أحداثها خلال العام، وهو اجتماع الجمعية العمومية للجمعية.
وبهذه المناسبة كان هذا الحوار مع بندر؛ ليتذكر أيامه الأولى في الجمعية، وأيضاً مشوار الإرادة والتحدي للإعاقة، واستكمال حياته بإصرار وعزيمة وايمان؛ حتى استطاع -بفضل الله- أن يحطم جدار عزلة الإعاقة، وأن يكون واحداً من أبناء الوطن الأوفياء الذين يساهمون في بناء مستقبله الزاهر.. إنها رحلة تستحق القراءة والاستفادة من دروسها؛ للتعلم والاتعاظ والاقتداء.
- هل تتذكر مشاعرك الأولى مع الإعاقة، وأيامك الأولى في الجمعية بعد التحاقك بها؟
= لا أتذكر بالضبط كيف كانت مشاعري؛ لأن الإعاقة بدأت معي منذ الولادة. أما عن أيامي الأولى بالجمعية فكانت مشاعري مختلطة بين الرهبة والخوف لصغر سني، وبين الإرادة والرغبة للتعلم وتحدي الإعاقة.
- ما الفائدة العلاجية والتعليمية والتأهيلية التي عادت عليك من التحاقك بالجمعية, وبرجاء أن يكون ذلك بالتفصيل لكل مرحلة؟
= كسبت فوائد كثيرة تأهيلية وتعليمية؛ فمنذ انضمامي إلى الجمعية كانت المراحل الأولى تتركز أكثر على التأهيل والتمارين والعلاج الطبيعي أكثر من أنها تعليمية بسبب احتياجي في بداية عمري إلى التأهيل والعلاج، وبعدها كلما تقدمت بمرحلة يصبح التركيز على التعلم أكثر بسبب تفوقي الدراسي ولله الحمد.
- هل يمكن أن تذكر لنا الصعاب التي واجهتك أثناء المراحل العلاجية والتعليمية والتأهيلية؟
= لا أتذكر أي صعوبات واجهتني -ولله الحمد- عدا المكوث وعدم الخروج من الجمعية والنوم فيها لعدة أيام بسبب احتياجي إلى تأهيل أكثر وتمارين مكثفة. أما من الناحية التعليمية فنوعاً ما كانت هناك بعض الازدواجية بين المنهج الدراسي للجمعية وبين منهج الوزارة.
- ماذا تقول عن المربيات والمعلمات اللاتي كن معك أثناء فترة تعليمك بالجمعية, وكيف كن يساعدن الأطفال؟ وما تأثيرهن فيك من كل النواحي؟
= لا أنسى دور المعلمات والمربيات معي ومع بقية زملائي، وجزاهن الله خير الجزاء على ما قدمنه؛ فقد كنَّ يبذلن قصارى جهدهن لتعليمنا ومراعاتنا وإخراجنا من دائرة الإعاقة.. ولا أنسى وقوفهن معي وتخصيص وقت خاص لي لتعليمي منهج الوزارة؛ لأني كنت أدرس منهجين؛ منهج الجمعية ومنهج الوزارة، وأختبر الاختبارات النهائية بمدارس حكومية.. كما كان لهن دور في تحفيزي وغرس الثقة بي بأني ممثل للجمعية بالتفوق العلمي، وبالأخص لا أنسى دور المعلمة مها درديري، ووقوفها معي وتعليمي ومتابعتها لي أولاً بأول في تحصيلي الدراسي، وكانت تعتبرني ابناً من أبنائها، ودائما تحفزني للتفوق العلمي، وفقها الله وحفظها.
- هل كان للاختصاصيين والاختصاصيات الذين كانوا يعالجونك بالجمعية دور في مساعدتك على تقليل الآثار السلبية لإعاقتك؟
= نعم كان لهم دور إيجابي في مساعدتي والايمان بقدراتي، وجعل الإعاقة تحدياً لي للتغلب عليها.
- ما البرامج والمناشط، من رحلات وحفلات وغير ذلك، التي ساعدت في تأهيلك ودمجك بالمجتمع، وكيف ترى أهميتها؟
= كانت هناك رحلات ترفيهية وتثقيفية تطور الجانب المعنوي والثقافي للشخص، وكانت تقام حفلات بالجمعية للأطفال وعائلاتهم تحتوي على نشاطات مختلفة من مسابقات وبيع أعمال وأشغال المعوقين، وكلها كانت تنمي ثقة المعوق بنفسه.
- ما المراحل التعليمية التي حصلت عليها بالجمعية، ومتى تخرجت في الجمعية، وكيف كانت حالتك في ذلك الوقت؟
= وصلت حتى الصف الخامس الابتدائي بالجمعية، وبعدها تخرجت، وأكملت دراستي في المدارس الحكومية.
- هل يمكن أن تصف لنا شعورك وأحاسيسك يوم أن تخرجت في الجمعية؟
= كانت مشاعر حزينة لوداع مكان وبيئة بدأت حياتي فيها، وتعلمت الكثير فيها، وأسست فيَّ أشياء جميلة.
- ماذا حدث بعد تخرجك في الجمعية؟ وما المدارس التي التحقت بها؟ وكيف كانت نتائجك فيها؟ وهل كان للجمعية دور في دمجك بهذه المدارس ومتابعتك بعد تخرجك؟
= بعد تخرجي، أكملت دراستي في المدارس الحكومية، والبداية كانت في مدرسة الكرامة الابتدائية، وبعدها انتقلت إلى المرحلة المتوسطة، ودرست في مدرسة ابن الجوزي المتوسطة، وبعد ذلك انتقلت إلى المرحلة الثانوية ودرست في ثانوية الشورى.. والحمد لله كانت نتائجي ممتازة ومن الطلاب المتفوقين.
- هل التحقت بالجامعة، وفي أي كلية أنت الآن، وفي أي مستوى؟
= نعم، التحقت بالجامعة، وكنت في كلية اللغات والترجمة، وحصلت -والحمد لله- على درجة البكالوريوس باللغة الإسبانية.
- كيف هي علاقتك بزملائك في الجامعة؟ وهل ترى أنّ لديهم الوعي الكافي للتعامل مع المعوق؟
= علاقتي بهم جيدة، ولا تزال مستمرة حتى بعد تخرجنا في الجامعة؛ فهم إخوة لي، ويتعاملون معي كشخص طبيعي لا ينقصني شيء.
- صف لنا شعورك عند عودتك إلى الجمعية بعد هذه السنوات ومشاركتك في اجتماع الجمعية العمومية وإلقاء كلمة باسم أبناء الجمعية؟
= شعور جميل يحمل الكثير من الذكريات الجميلة بكل ركن من أركان الجمعية، وسعادة لوفاء الجمعية بدعوتي والتشرف بإلقاء الكلمة باسم أبناء الجمعية أمام والدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان وأعضاء الجمعية العمومية.
- هل ما زلت على علاقة واتصال بزملائك الذين كانوا معك في الجمعية؟ وهل أحد منهم كان معك في الجامعة أو في جامعة أخرى؟ وكيف هي أحوالهم؟
= مع الأسف بعد تخرجي في الجمعية انقطعت علاقتي بزملائي.
- ما أبرز المشكلات والصعاب التي تواجه المعوق في المجتمع، سواء كان يدرس بالمدرسة أو الجامعة أو كان موظفاً أو غير ذلك؟ وكيف ترى حلولها؟
= من أبرز المشكلات عدم توفر بيئة مناسبة للمعوق من ناحية وسائل التعليم والممرات ودورات المياه. أما من الناحية الشخصية فهناك تهميش لدور المعوق في بعض الشركات وعدم الإيمان بقدرات وإنتاجيته. وأتمنى الاهتمام به أكثر من الناحيتين البيئية والشخصية، والحمد لله وجدت في عملي الحالي بشركة سبيماكو الدوائية الثقة بقدراتي؛ فلهم مني جزيل الشكر.
- هل ترى أنّ الخدمات المتوفرة للمعوقين في المملكة تلبي احتياجاتهم؟
= في الحقيقة أن الخدمات المتوفرة الآن لا تلبي احتياجاتنا مع أنها تطورت في السنوات الأخيرة، ولكننا نطمح إلى المزيد في ظل دعم واهتمام حكومتنا الرشيدة، وأتمنى أن نرى اهتماماً أكثر بالممرات والمنحدرات والمصاعد الكهربائية.
· ماذا تقول لكل أفراد المجتمع من رجال أعمال وميسورين وحتى مواطنين عاديين بشأن كيفية مساندة فئات المعوقين معنوياً ومادياً؟
= أتمنى الدعم بجميع النواحي من كل فئات المجتمع، مادياً ومعنوياً، كما أتمنى من رجال الأعمال دعم المعوق لحاجته إلى ذلك بسبب احتياجاته المتعددة من كراسي وأجهزة طبية وتكلفتها المرتفعة وتكلفة صيانتها الباهظة وأدوية وغيرها ورواتب السائق أو الخادمة.. والدعم المعنوي باحترام مواقف المعوق والممرات المخصصة له والإيمان بقدراته وإنتاجيته.
· كيف ترى نفسك في المستقبل؟ وماذا تريد أن تعمل؟ وما طموحاتك؟
= الحمد لله على نعمه وفضله علي.. حققت بعض طموحي، وأسعى إلى المزيد؛ فطموحي لا يتوقف عند حد معين. أتمنى في المستقبل القريب أن أكون كاتباً أو معداً لأخبار رياضية؛ لشغفي بالرياضة، وخصوصاً كرة القدم العالمية، كما أطمح إلى أن أكمل دراستي للحصول على درجة الماجستير.
· كلمة أخيرة تريد أن تقولها أو توجهها، ولمَن؟
= أولاً، أحمد الله -سبحانه وتعالى- على نعمه وفضله عليَّ، ومن ثم أشكر والدي أطال الله في عمرهما ومتعهما بالصحة؛ فلهما فضل كبير عليَّ -بعد الله- في كل نجاح حققته؛ فكل كلمات الشكر والعرفان والامتنان لا توفيهما حقهما؛ فقد ضحيا بالكثير من حياتهما ووقتهما وصحتهما ومالهما وبذلا كل ما يستطيعان لأجلي وزرعا فيَّ الثقة والطموح للنجاح دوماً.. ولا أنسى أن أشكر إخوتي ووقوفهم الدائم معي حفظهم الله ووفقهم.. كما أشكر زوجتي داعمي الأول، ودائماً تسعى وتشجعني لأكون ناجحاً في كل المجالات، وألا يقف طموحي عند حد معين، وفقها الله وحفظها من كل مكروه.. ولا أنسى أيضاً أن أشكر كل مَن وقف معي من معلمين ومعلمات وزملاء دراسة أو عمل؛ فلدي أصدقاء كسبت معرفتهم؛ فهم بمنزلة الإخوة لي.